زاوية أسا والأدوار المنوطة بها



- الزاوية الوهداوية:
            لم تظهر الزاوية في تاريخ المسلمين كمركز ديني وعلمي الا بعد الرباط والرابطة.
والرباط لغة مصدر رابط بمعنى أقام ولازم، ويطلق في اصطلاح الفقهاء والصوفية على شيئين ، أولهما البقعة التي يجمع فيها المجاهدون لحراسة البلاد، ورد هجوم العدو عنها والثاني هو المكان الذي يلتقي فيه. حالحوا المؤمنين لعبادة الله وذكره والتفقه في أمور الدين[1]، يقول سبحانه " يا أيها الذين آمنوا اصبروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"[2].
         والزاوية حسب محمد حجي عبارة عن مكان للعبادة وايواء المحتاجين واطعامهم والزاوية في مفهوم صوفية العصر مضمون قبل أن تكون بناية وظيفتها الاولى تعميق الشعور الديني ، أو بث مبادئ التصوف العلمي وتعميم التوعية الجهادية لدى الجماهير[3].
وتعد الزاوية المغربية مدرسة دينية ودار مجانية للضيافة، فالمغرب لم يعلرف الزاوية الا بعد القرن 15هـ، وسميت في بئ الامر دار الكرامة كالتي بناها يعقوب المنصور الموحدي في مراكش تم أطلق عليها اسم دار الضيوف على ما بناه المرينيون من الزوايا، كالزاوية العظمى التي أسسها أبو عنان المريني في خارج فاس، وجدد الدلائيون بنائها، وأقدم الزوايا التي حملت هذا الاسم في المغرب زوايا الشيخ أبي محمد صالح.
         وخلال القرن الثامن الهجري الموافق للقرن الرابع عشر الميلادي تكاثرت الزوايا بالمغرب ثم تطورت في القرن 16/17/م حتى كاد عددها يفوق عدد المساجد ، واختلط فيها أمر الصالحين بمدح من ذوي الاعراض الفاسدة والمشعودين وعسر بذلك تمييز الطيب من الخبيث.
         غير أن هناك بعض الزوايا التي أجمع الناس على صلاح أهلها لاستقامة سلوكهم وظهور نتائج أعمالهم الدينية والعلمية، وأشهر هذه الزوايا في القرن السادس عشر الميلادي ثلاث زوايا هي الزاوية الدلائية والناصرية والقاسية[4].
            وتعرف دائرة المعارف الاسلامية الزاوية بأنهاا غرفة للصلاة بها محراب وضريح لأحد المرابطين ، أو ولي من الشرفاء تعلوه قبة وغرفة قصرت على تلاوة القرآن كتابا أو مدرسة لتحفيظه ، ثم غرفة مخصصة لضيوف الزاوية من حجاج و مسافرين وطلبة ، ويلصق بالزاوية قرافة (مقبرة) تشمل أولئك الدين أوصوا في حياتهم بأن يدفنوا فيها[5] .
            بعد الحديث عن الزوايا وزوايا المغرب بشكل عام ننتقل الى الزاوية الوهداوية التي شهدت كغيرها شهرة عظيمة خاصة أيام مؤسسها الشيخ إعزا ويهدى، الذي يعد المؤسس الحقيقي لهذه الزاوية [6]، وهو القول المرجح على غيره باعتبار المختار السوسي عاين المنطقة.
            فهناك أقوال أخرى تضاربت حول هذا التأسيس ، منها قول الباحثة الفرنسية جاك مونيي التي تقول بأن المؤسس الحقيقي للزاوية هو والسيد عيسى بن صالح المتوفى 500هـ/1107م[7]، أما فريديرك دولا شابيل فيرجح تأسيس الزاوية الى سيدي محمد الشيكي الذي استقر بالمنطقة منذ 130هـ/737م[8].
           لقد شكلت الزاوية الوهداوية أول الامر رباطا قويا أسسه أجداد الشيخ إعزاويهدى، حيث تحدث في مذكرات حياته عن بعض الاشياخ قائلا:"بعض الاشياخ المتقدمين فبلنا، والآثار عنهم كأبي مسعود ومحمد المبارك بن ابي محمد الصالح الشبكي نفعنا الله به ولأبو يعقوب الاسود ومحمد بن أحمد الاضغاني ، وغيرهم الذين هم مشهورون ومعروفون في بلد آسا المشار لهم أولا وآخرون رحمهم الله وقدس الله مضاجعهم ورضي عنهم[9].
       غير أن هذا الرباط تطور ليتحول مع الشيخ ايعزوايهدى مع نهاية القرن 6هـ/12م وبدياة القرن 7/13م الى زاوية لعبت أدوارا مختلفة أعطتها صفة قدسية. ما هي إذن هذه الادوار ؟ وهل كان لمؤسس الزاوية علاقة بالمد الصوفي؟.
لا شك أن التاريخ العريق للزاوية الوهداوية الذي لا يخفى كل دارس لهذا المجال ، قد ساهم في إعطاء مهام شملت مجالات مختلفة : العلمية، الثقافية ، الاقتصادية، الاجتماعية  والدفاعية التي اشنهر بها مؤسسها ولقنها لمريده.
        غير أن عدم التوفر على مخطوطات ووثائق ومراجع تؤرخ للزاوية حال دون الوصول الى حقيقة مساهمة كل مجال على حدى، فالمرجع الاكثر اعتمادا فيما يتغلق بالزاوية هو الشذرات التي وجدت في كتابات المؤرخ المختار السوسي ، والرواية الشفوية إضافة الى بعض الكتب العربية والغربية.
2- الدور العلمي
            لعبت الزاوية الوهداوية دورا علميا وثقافيا بفضل ما كان لمؤسسها من ذراية بالامور الفقهية، فالايطالي تيلو كوديو Tiolio Gaudio يقول في مقال له بمجلة المغرب الصحراوي يتحدث فيه عن دور الشيخ اعزا ويهدى "تفوقه في أمور الدين مما جعل مجموعة من التلاميذ يقدمون عليه من الحوز ومراكش وجبال الاطلس الاعلى بسوس وبعض الصحراويين من توات ويشير أيضا الى أن السلطة الفكرية لزاوية أسا فاقت مثيلتها بزاوية أبي عبد الله محمد بن عمر الاسريري، وبقي إشعاعها سليما اللى اليوم[10].
          ويقول المختار السوسي في حديث له عن الاسر العلمية بسوس" إن الاسرة الوهداوية نسبة الى الشيخ إعزاويهدى من أهل أوائل القرن 8هـ  تفرعت فروع  شتى  عن هذه الاسرة التي نسبها الى أبي بكر الصديق وكما زخرت بالعلماء زخرت بالروؤساء ، وهم كثيرون من علماء وصلحاء وروؤساء كأهل تادرارت-فيما يقال- وأهل أدرق وروؤساء بنيران مجاط"[11].
لكن كشف النقاب عن الدور العلمي يستوجب أمام غياب وثائق مكتوبة استنطاق الراوية الشفوية التي اكتفت بالتأكيد على  أن الزاوية شكلت مدرسة علمية قرآنية وملتقى لطلبة من كل الجهات، من الصحراء والأطلس وموريتانيا بل وحتى من تونس ومناطق أخرى.
غير أن الرواية التي استجمعناها لم تعط حقيقة كاملة عن الوضع العلمي عبر تاريخه بالزاوية وما زاد من اختفائه وجهله هو غياب وثائق مكتوبة كما سبق الذكر، وهذا ما عانت منه زوايا المغرب.
           يقول العلامة المختار السوسي :"وكم مدارس وزوايا علمية إرشادية في هذه البوادي لا تزال آثارها إلى الآن ماثلة للعيون ، أو لا تزال الأحاديث عنها يدوي طنينها في النوادي، فأين ما يبين كنه أعمالها ، وتضحية أصحابها وما قاساه أساتذتها في تثقيف الشعب وتنوير ذهنه وتوجيهه التوجيه الإسلامي بنشر القرآن والحديث"[12].
          لقد شكلت زاوية أسا ملتقى ديني يستفتي فيه السكان الفقهاء والعلماء في أمور دينهم ودنياهم، ومكانا لاكتساب المعرفة والتفقه في الدين ، فالزاوية كانت بمثابة مدرسة أولية تستمسك فيها نفوسهم حفظ القرآن ومعرفة السنة ليصل بهم وبالمريدين بالخصوص الشغف في طلب العلم والتفاني في استكمال الثقافة إلا شد الرحال نحو المدارس العتيقة، كما هو الحال بالنسبة للفقيه محمد بن أحمد الاساوي.
          وهو محمد بن أحمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم بن مبارك ابن سعيد بن محمد ولد عاشر ذي القعدة 1330هـ ، تلقى بعض القرآن في مسقط رأسه (زاوية آسا) عند الأستاذ علي بن العربي الاساوي ، ثم عند الأستاذ الحسن بن إبراهيم الاساوي ، إلا أن الشدة التي يلاقيها في التعليم من أهله حملته على فراق مسقط رأسه إلى قبيلة أيت صواب ، ثم جال قليلا إلى أن استقر به القرار في قرية اسكن ... فألقى عصاه إلى أن حفظ القرآن ثم من هناك إلى مدرسة (ايكونكا)ومنها إلى مدرسة (إيمزيي) هذا وقد طالت سنوات رحلته هذه، في تلك الجبال الا اثنتي عشرة ولم يكن خبرا لأهله ،الا أن وردت عليه رسالة من والده يوما فأبكته كثيرا فأجابهم بأنه حفظ القرآن وحصل العلم، ووعدهم بالمجيء في موسم (المولود) الذي يقام في أسا فلما ذهب تلقاه والداه معا بكل فرح ،ثم استأذن والده لمراجعة إتمام دروسه، فزوده وأذن له، ثم صار يتعهد زيارة بلده فينة بعد فينة... وفي أوائل رمضان 1364هـ زار أهله، فصادغ والده في آخر ساعات حياته فودعه وأقبره وقد كان يطلب الله دائما أن يحضر وفاته، ثم استأذن والدته في الرحلة لاستمام آخذه.[13]
والى جانب الفقيه محمد بن أحمد ذكر المؤرخ المختار السوسي عدد من الفقهاء الاساتذة الذين كان لهم الفضل في تكوين أجيال تكوينا إسلاميا ومنهم:
·       الاستاذ علي بن العربي: كان يتقن القراءات السبع وكان مباركا معتقدا،تخرج كثيرين علي يده في القراءات وفي حفظ القرآن ،توفي نحو 1338هـ وهو يبلغ من العمر 80سنة.[14]
·       الاستاذ محمد أتوا:فقيه من فخذة أيت تيكا ، اغترب مدة طويلة لطلب العلم وعاد الى مسقط رأسه آسا، حيث تولى التدريس بها.[15]
·       الاستاذ الحسن بن ابراهيم : كان يجتهد في التعليم ويحمل التلاميذ على الجد.[16]
·       الاستاذ محمد بن ابراهيم: رجل صالح لا تفوته صلاة الجماعة في المسجد فيما تواتر عنه. [17]
3- الدور الجهادي للزاوية.
            لعبت الزاوية دورا جهاديا تمثل في نشر الاسلام والدعوة الى توحيد الله عز وجل، هذا الدور الذي حملته الزاوية على مشعلها جعلها تشكل على حد تعبير الدكتور مصطفى ناعيمي، قاعدة أولى للتقاليد الجهادية بمختلف منطقة سوس والساقية الحمراء فالشكل الذي غطى به أتباع (اعزا ويهدي) قصة الارضية الاولى لرابطة إكزولت الدينية.[18]
           لكن وكما جعل من الزاوية القاعدة والرابطة الاولى جعل من مؤسسها كذلك رمزا للمقاوة المسلحة على اعتبار أن شخصيته التاريخية ترمز الى القوة المولدة لسمات التحالفات[19].
           فالشيخ إعزا ويهدي يعد من المساهمين في المقاومة والقضاء على آخر وجود للوثنية بالمنطقة المتمثل في قوم إذا وقيس الذين سبقت الاشارة إليهم والذين كانوا يستقرون بمنطقة آدروم بنواحي آسا، غير أن الشيخ المختار السوسي شكك في هذا الطرح من منطلق أن الوثنييين قد انقضى وجودهم بعد وصول إدريس الاول عام 172هـ، لكن لا يستبعد أن يكون هؤلاء قد بقوا على وثنيتهم بعد مقاومة ودعوة الشيخ محمد الشبكي لهم بالدخول في الاسلام.[20]
          ونشير الى أن الزاوية كان لها أيضا دور سياسي فعال في محاربة الجود الاجنبي، وهذا ما يتضح في الوثيقتين المتمتلثين في المعسول.
          لكن هذه المقاومة للوجود النصراني لا يمكن الحديث عنها في فترة الشيخ إعزاويهدي (القرن7 هـ/13م) بل مع أبنائه وحفدته خصوصا سيدي صالح بحيث تتحدث الرواية الشفوية أن هذا الولي كان يقاتل البرتغال (البرتقيز) حين رموا به من أعلى جبل باني المجاور لضريحه.
         وهذا ما يؤكده العلامة محمد سعيد المرغيثي قائلا:"هؤلاء هم آصول أيت إعزاويهدي، أينما ذكروا شرقا وغربا كلهم صلحاء رضي الله عنهم، وكذلك سائر ذريتهم فهم قبائل البركة الصديقية، وهم سيف الله في أرضه فكل واحد من هؤلاء السادة له ذرية صالحة حتى تناسلوا ، وبعد ذلك قاموا بالعزم والجزمة وتوكلوا على الله وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده وهزموا النصارى ... إذ بسيوفهم الصوارم أدركوها وبشجاعتهم وفروسيتهم ملكوها وبخيولهم الجياد حرسوها" .[21]
          إذن فأبناء وحفدة الشيخ إعزاويهدي جاهدوا في سبيل الله بأعمارهم أموالهم ابتغاء مرضاة الله والقضاء على الوجود النصراني الى جانب باقي الزوايا الاخرى خاصة زوايا المغرب الصحرواي فكتبوا بذلك تاريخا سياسيا للزاوية وللمنطقة ككل. لكن يبقى السؤال عن علاقة الزاوية بالسلطة المركزية معلقا في غياب وثائق وظهائر تسلط الضوء على هذه العلاقة.
         إذن يبقى الدور الاكثر شيوعا هو الدور العلمي والديني والتجاري ، ولا شك أن الموقع الجغرافي الذي تمتعت به الزواية قد ساعدها في أداء هذا الدور ضد العدو وكيف ما كان ، فهي توجد بمنطقة وعرة ومرتفعة ، لكن وعورة وبعد موقعها لم يحل دون أداء دورها الاجتماعي المشهود به داخل المنطقة، وما يدل على هذا الدور هو طريقة بنائها إذ تضم مساحات واسعة وغرف لاستقبال الزوار، وأثاث وأواني لطهي الطعام من أجل إيواء الفقراء والمعوزين وعابري السبيل والمريدين ، كما كان لها عدد كبير من الخدام يعيشون على هذا العمل.
         والى جانب هذه الادوار شكلت مقرا لحل النزاعات وملتقى للفقهاء والعلماء ومختلف فصائل القبائل وللتجار ، خاصة وقت عيد المولد النبوي حيث يقام موسم سنوي يعرف بأمكار[22].
الزاوية وعلاقتها بالمد الصوفي
         إن المشكل بالنسبة لأي دارس للزوايا في المغرب، الانتقاد المعقول للأحداث التاريخية من خلال تراث فكري صوفي لمؤسس زاوية من الزوايا ، نظرا لتداخل الاسطوري بالتاريخي خصوصا أثناء دراسة ما يتعلق بالجوانب العامة لحياة مؤسس الزاوية، ورغم شح المصادر التاريخية في هذا الجانب وغموضها فإن الذاكرة الشعبية تحتفظ لنا ببعض الشفرات التاريخية حول هذه المسألة .
         هذه المعطيات السالفة الذكر تفتح الباب على مصراعيه أمام الذين كتبوا عن مؤسس زاوية آسا بدءا بأراء حول درجة تصوف هذا المؤسس وأهم مشاربه.
كما أن هذا الارتباط يزكيه ما ورد عند عبد الله العروي الذي يتساءل [الى أي شيء ينضاف الى مفهوم الوحدة الافقية حينما يراقب الناصرون 120 زاوية زاوية منتشرة في كل أنحاء المغرب][23] لكن وجب التساؤل عن الفترة الومنية التي وقع خلالها هذا الارتباط بين الزاويتين ؟.
         نعلاف أن تأسيس الزاوية الناصرية لم يقع الا في سنة 983هـ 1578م ولم يظهر كزاوية قوية سياسيا واقتصاديا الا مع عهد محمد بن ناصر، لذا فمن غير المستبعد أن يكون ارتباط هذه الزاوية بزاوية آسا التي عظم شأنها آنذاك في فترة قوة شيخها المذكور سالفا. في حين نجد نفرا آخر من الذين تناولوا هذه الشخصية بالدراسة أن السياق التاريخي الذي ظهرت فيه زاوية آسا أدى الى تفشي وانتشار المد الصوفي الذي يعتبر إعزاويهدي أحد أعلامه، وفي ظل هذا الجو المشحون بالصراع، وجد التصوف في المناطق النائية الظروف الملائمة للانتشار، ولا يستبعد أن يكون هذا الحافز هو الذي دفع الشيخ إعزاويهدي الى حط الرحال بآسا لكونها قاعدة أمنة بعيدة عن بؤرة الصراع. وبينما لا يعكر صفو الحياة الروحية التي يعشقها الزهاد والمتصوفة الذين يعد الشيخ أحد أقطابهم كما تنطق بذلك المصادر التي ستحدث عنه وخاصة مذكرات حياته المبتدئة في المعسول والتي ورد فيها ما ينم عن تصوفه كتلقيبه بألقاب كالغوث والقطب والولي، وهي من أمهات الألفاظ المشكلة لجهاز المفاهيم الصوفي، علاوة عن تصريح الشيخ نفسه بطلبه وبحثه عن رجل يتربى على يديه تربية روحية، ربانية على نحو ما يفله المتصوفة الذين يتخذون شيوخا بحيث يقول في هذا الصدد:" وعندما صح عزمي على ما ذكرت من طلبي للعلم الحال الارداة للخلاص، وقعت بصيرتي على رجل كنت أراه كثير الحركة باللسان للذكر ملازما لكتاب الله مواظبا على الخير في ظاهر الأمر[24].
          لكن ورغم ذلك لا نجد مؤشرا أو دليلا يؤكد أن الشيخ قد سلك التصوف دون أن يؤسس طريقة خاصة على غرار باقي الطرق الصوفية، ولعل ما يزكي ذلك الطرح هو أن مذكرات الشيخ المبثوثة في المعسول تذكر بعض أذكاره دون أن تشير الى أنه قد لقنها لأتباعه ومريده الشيء الذي يعني أن يلزمهم بتتبع طريقة معينة ولعل هذا ما لأسهم في توسيع دائرة استقطاب الزاوية للناس.
         وعلى ضوء هذا التباين في الآراء ونذرة المصادر لا يسعنا إلا القول أن مؤسس زاوية آسا كان الشيخ الذي بلغ شأنا كبيرا من العلوم الفقهية خصوصا في مجال التصوف والفكر الذي كان سائدا عندئد بالبوادي المغربية.
5- الموســـــم:
            اصطبغ موسم زاوية آسا بصبغة دينية كباقي المواسم الأخرى خاصة المجاورة له كموسم سيدي الغازي بكلميم وموسم سيدي محمد بن عمر اللمطي بأسرير، وموسم سيدي عمر أعمران بالقصابي وموسم تغجيجت، لكن هذه الصبغة لا تنفي عنها الاهمية الاقتصادية التي أدتها ولا زالت تؤديها الى يومنا هذا، لكن ليس بالدرجة التي كانت تعقد بها في القرون السابقة خصوصا القرنين 18 و 19م حيث كانت بلاد تكنة بأكملها تعلرف ازدهارا تجاريا بسبب موقعها الجغرافي المتميز في إطار تيارات التبادل التجاري القديم[25].
          فقبيلة أيت أوسى كانت تنظم رحلات تجارية تصل الى موريتانيا وتمبوكتو إذ تصدر السكر والشاي والقطران والزرابي والخناجيرـ، وتستورد من السودان الاغطية والقطنيات والحلود والعطور والبخور[26].
         وفي إطار حديثنا عن العلاقات التجارية يقول جورج سليمان :"...أما العلاقات فهي محدودة لكون هاتين الجهتين تصدران نفس المواد، كما أن لهما نفس الحاجيات وفي هذه الحالة فإن كل جهة تسعى الى صرف منتوجاتها في أقرب مكان إليها والى التزود بسهولة أكثر وتكاليف أقل، وهكذا تقوم السهول الاطلسية للمغرب الشمالي والواحات الصحراوية بتبادل منتوجاتها ، ويكمل بعضها البعض وتنظيم صلات تجارية حسب محاور شمال جنوب.[27]
          فعلاوة على الاهمية الدينية التي اتسم بها هذا الموسم الأسوي من قرأة القرآن والإكثار من الصلاة على النبي طيلة أيام الموسم،أثر كذلك بأهمية اقتصادية بالغة، إذ شكل مجالا لتجمع تجار بلاد تكنة وسوس الاقصى ومختلف قبائل الصحراء لتبادل المنتوجات فيما بيهم وما يؤكد هذه الاهمية ماورد في كتاب المعسول للمختار السوسي حيث يقول في حديثه عن الناجم الأخصاصي "أراد صاحبنا أن يبذل حياته بعد موت القائد محمد بن الطاهر فأخذ يتاجر في العطرية ، فذهب عطارا الى سوق المولود في آسا فربح في تجارته ربحا نشطه للمضي الى الامام، فصار يتعاطى التجارة الى أن ذهب الى شنكيط وقد أطلق شعره وجرد ذيوله وتبختر في الفراويل السوداء والمفتوحة الجانبين من الكتف الى العقب ثم رجع من هناك بجمال"[28].
لقد عرف الموسم رواجا اقتصاديا بفضل ما يؤمه من أعداد غفيرة من مختلف المناطق الداخلية(كلميم،أكادير،العيون،السمار،...)أو الخارجية كموريتانيا ،فرنسا،إسبانيا،... فالموسم يشكل أحد عوامل تقوية الشعور القبلي والقرابي،سواء بين قبيلة أيت أوسى نفسها أو بين أيت أوسى والقبائل الاخرى حيث يشكل فرصة لتدارس وحل المشاكل بين فخذات القبيلة والقبائل الاخرى.
 ويقوم الصلحاء خلال انعقاد الموسم بدور الوساطة وتنظيم المبادلات التجارية والحث على مساعدة الفقراء والمساكين، ولا يسمح لأي أحد حمل السلاح خلال هذه الفترة أو المساهمة في نشوب الصراع.
لكن بعض هذه الطقوس التي تميز الموسم في فترة انعقاده لم يعد لها وجـود .
           هذا الدور التجاري والديني في ارتباطه بالزاوية ،أعطى لهذا الموسم صفة القدسية لدرجة أن كل الممارسات المصاحبة للموسم تأخذ طابعا مقدسا، فالزوار يفتتحون زياراتهم بعبارة "التسليم يا رجال البلاد، التسليم أما الزاوية " الله ينفعنا ببراكتك" وهذا شرك بالله تعالى ، يقول سبحانه:"أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"[29]، وهنا يتضح أن الزوار يتوجهون بدعواتهم وتضرعاتهم الى الزاوية ويطلبون الانتفاع ببركاتها، وهذا في الحقيقة شرك بالله، لأنه وكما جاء في الاية الكريمة لا يجب دعوة الداعي الا الله سبحانه وتعالى.
بل وحتى الأشياء التي تباع وتشترى هي الأخرى ذات قيمة رمزية ،فالتمور والفواكه اللجافة تخرج عن قيمتها الاستهلاكية العادية لتصبح ذات بعد معنوي يتمثل أساسا في الباروك، فالحاجون لهذا الموسم سواء كانوا تجار أو زوار لا بد أن يأخذوا معهم الباروك لأهليهم وأصدقائهم.
           فمن هنا يصبح مفهوم الباروك يستمد وجوده من البركة ومن مظاهر التقديس التي يحظى بها هذا الموسم ما يقدمه الزوار من هبات نقدية وعينية وقرابين متمثلة أساسا فس النحيرة (الناقة) هذه الهبات والقرابين تؤكد على مدى الإرتباط الروحي لهذه القبائل بالزاوية وخاصة قبيلة أيتوسى.
          فظاهرة النحيرة التي تميز موسم عن باقي المواسم الاخرى تأكد طابعا قدسيا، حيث يتم نحرها يوم العيد النبوي قبل وقت الضحى أمام الزاوية.
ونشير الى أنه في البداية كانت تقدم للزاوية نقاة واحدة تتناوب عليها فخذات قبيلة أيتوس بشكل سنوي، لكن مؤخرا انضافت إليها ناقة أخرى يقدمها أحد أغنياء القبيلة مالك لعدد كبير من الإبل، هذه الاخيرة يتم بيعها ويوضع ريعها في الصندوق الخاص الخاص بالزاوية ليتغير بذلك التقسيم، فالأول كان على الشكل الاتي:
·       ربع يأخذه مقدم الزاوية.
·       ربع يأخذه الفقهاء.
·       ربع يتم طهيه لكل الزوار وأعيان القبائل والفقراء.
·       ربع يتم بيعه ويوضع ريعه في الصندوق الخاص بالزاوية .
 أما التقسيم الثاني فهو:
·       ربع يأخذه مقدم الزاوية.
·       ربع يأخذه الفقهاء.
·       الباقي يتم طهيه لكل من حضر لهذا المكان وأعيان القبائل والفقراء والمحتاجين.
لايقتصر إذن دور الموسم على تقوية الشعور القبلي أو إعتباره مكان لاقتناء متطلبات الزوار بل أيضا مصدر غنى للزاوية، فما يتم جمعه خلال الموسم خاصة ما يتبرع به أبناء القبيلة المقيمين بالدول الاجنبية، يستخدم في ترميم الزاوية وشراء مستلزماتها وتمويل الفقهاء والمريدين الذين يدرسون بالزاوية.
          وتجدر الاشارة الى أن هذا الموسم ترافقه طقوس وظواهر مخالفة للشرع، تغلب عليها عقلية الجمود والتقليد، طعنت الزاوية في قيمتها العلمية والدينية حيث تحولت الى مكان يقصده الزوار بهذف التبرك به والاسنغاثة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"[30].
ووصلت درجة قبحهم في تقديس هذا المكان الى الحلف بالزاوية ، يقول سبحانه"واحفظوا أيمانكم"[31]، وهو إشارة واضحة على عظم من خالف هذا الأمر، وعن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"[32].كلميم 20-
زاوية اسا والدور التنموي
احتضنت مدينة آسا (إقليم أسا- الزاك)، من 23 إلى 27 فبراير الجاري، الموسم السنوي لزاوية آسا، الذي ينظم تحت شعار "التنمية المستدامة في خدمة الموروث الروحي والثقافي".
ويشكل هذا الموسم، الذي ينظمه المجلس البلدي لآسا والمجلس الإقليمي لآسا- الزاك إحياء لذكرى المولد النبوي الشريف، مناسبة للفاعلين ولساكنة المنطقة للتعريف بالمؤهلات الثقافية والاقتصادية والسياحية التي تزخر بها المنطقة.
فهو يهدف الى النهوض بالساكنة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا
ويتضمن برنامج هذه التظاهرة تنظيم استعراض كرنفالي للفرق المشاركة، وإقامة معارض للصناعة التقليدية والمنتوجات الفلاحية والمتحفية، وأخرى خاصة بالجمعيات والتعاونيات والبيئة والكتاب، إلى جانب معرضين متنقلين الأول للتجارة والثاني للفرجة والترفيه.
وسيعرف هذا الموسم، إلى جانب خيمة الشعر مع شعراء محليين وجهويين، تنظيم أمسية ترفيهية لمجموعة الكراكيز، وأخرى فنية لفرقة "الركبة" من زاكورة، وليلة للأمداح النبوية من تنشيط فرق فنية محلية وفرقتي "عيشتة" و"مازاكان"، بالإضافة إلى سهرة فنية تحييها الفنانة كمبانة ومجموعة "عبيدات الرما".
كما سيتم في إطار هذه التظاهرة تنظيم ندوة علمية حول موضوع "زاوية آسا.. الأبعاد الروحية والاجتماعية والاقتصادية"، من تنشيط جمعية ثقافية محلية وأساتذة جامعيين، إلى جانب عملية الإعذار وتوزيع الجوائز على الفائزين في المسابقات القرآنية.
وعلى المستوى الرياضي، ستشهد المدينة في هذا الإطار تنظيم عدة تظاهرات رياضية في كرة القدم والسلة واليد والكرة الحديدية، سيكون أبرزها سباق المرحوم (راح الفضيلي) على الطريق الذي ستنظمه جمعية باني لألعاب القوى تحت إشراف الجامعة الملكية المغربية لألعاب.


[1]  محمد حجي : الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي من تاريخ المغرب في القرن 17، الطبعة الوطنية، الرباط 1964،1384 ص23.
[2]  سورة آل عمران الاية 200.
[3]  محمد القبلي: مساهمات في تاريخ التمهيد للدولة السعدية، مجلة كلية الاداب الجزء 3،4 الرباط 1964،1384 ص 25.
[4]  محمد حجي : الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي من تاريخ المغرب في القرن 17، الطبعة الوطنية، الرباط 1964،1384 ص23.
[5]  دائرة المعارف الاسلامية: وصف الزاوية من الناحية المعمارية،القاهرة المجلد 10بدون طبعة ص232.
[6]  محمد المختار السوسي: المعسول ج10 الرباط 1961 ص172.
[7]jaques meunie :le Maroc saharien des origines du 16siecle a 1670paris 1982,vol p196.

[8] F.de la chapelle les tekna du sud marocain (étude géographique ,historique et géographique publication comte l’Afrique française 1934 p 101.
[9] محمد المختار السوسي : المعسول ج10 الرباط 1961 ص 171.

 [10] نقلا عن الحسان المنصوري، جوانب من تاريخ أسا، بحث لنيل الاجازة في التاريخ بأكادير 1990 ص39.
[11]  محمد المختار السوسي: سوس العالمة ص 135.
[12]  محمد المختار السوسي: سوس العالمة ص.140.
[13]  محمد المختار السوسي: المعسول الجزء العاشر 1961 ص 209،210.
[14] نفس المرجع ص209.
[15]  نفس المرجع الجزء التاسع ص 112.
[16] نفس المرجع الجزء العاشر ص 209.
[17]  نفس المرجع الجزء العاشر، ص.208.
[18] إشراف محمد حجي: معلمة المغرب انتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر مطابع سلا 1410-1989،ص.144.
[19]  نفس المرجع ، ص.144.
[20]  مدينة بوجخار : زاوية آسا ودورها في الاشعاع الديني بحث لنيل الاجازة 1999،2000.
[21]  محمد المختار السوسي :المعسول الجزء العاشر الرباط 1961 ص176.
[22]  أمكار : معناه الملتقى أو التجمع وهو لفظ أمازيغي.
[23] Abdallah l’aaroui Lles origines sociales et culturelle du nationalisme marocain ed : francois naspére édition 1980 p43
[24] محمد المختار السوسي: المعسول: الجزء العاشر، 196،ص.209،ص169.
[25]  مصطفى ناعيمي: الصحراء من خلال بلاد تكنة، تاريخ العلاقات التجارية والسياسية الرباط 1988 ص.152،151.
[26]  عبد العزيز بن عبد الله: الموسوعة المغربية للاعلام البشرية والحضارية معلمة الصحراء، الرباط،1976،ص.70.
[27]  حسن المنصوري جوانب من تاريخ زاوية آسا بحث لنيل الاجازة في التاريخ، كلية الاداب ،الرباط1990/ص.39.
[28]  المختار السوسي : المعسول جزء20،الربا،1961،ص.17.
[29]  سورة النمل الأية62.
[30]  سنن الترميذي :كتاب "صفة القيامة والحقائق والشورى عند رسول الله" باب ما جاء في أواني الحوض رقم الحديث 2440.
[31]  سورة المائدة الاية 89.
[32]  سنن الترميدي: كتاب النذور والايمان عن رسول الله باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله رقم الحديث 1455.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مواقع فترة ما قبل التاريخ بالمغرب

الاولياء والأضرحة بالمغرب

الدراسات الاستمزاغية في المغرب