عادات وتقاليد العرس في منطقة فم زكيد قبيلة “الكرازبة” نموذجا
Les traditions du marriages au site de foum
zguid exemple kabilate elkaraziba
تـــقــديـم:
إن الثقافة الشعبية بما تحمله من ترسبات، تكشف عن المزج بين
الطبيعة وما ورائها انطلاقا من الواقع المرئي إلى الغيب المجهول، وهي اليوم تعرف
رعاية وتشجيع وإقبالا من طرف الجمهور، ورغم ذلك فإننا في أمس الحاجة إلى العناية
العلمية بها جمعا وتسجيلا وتدوينا ودراسة في مراكز خاصة، لمعرفة حقيقة أشكالها
ومضامينها والدور الذي كانت تنهض به، ولإدراك سر استمرارها على مر العصور
والأجيال، ولحمايتها من كل عبت، والإبقاء على تداولها حية التعبير
والإمكان،واستلهامها ولانطلاق منها لمزيد من الإبداع المستمر من روح الأصالة
الحقة. فعادات وتقاليد العرس يمكن إدراجها ضمن الثرات الثقافي الغير المادي.
فالثقافة الشعبية بصفة خاصة هي محاولة إحداث فواصل بين أنواع
الثقافات التي يمارسها الإنسان في مجتمع ، فهي تستعمل في مقابل الثقافة الممتازة
أو الثقافة المعرفية. إلا أنه لا ينبغي أن نعتبر أن الابداع الشعبي يتم بعفوية
وارتجال أو بالمصادفة أوالتلقائية التي تبعده عن أي قانون مهما كان. يقول الأستاذ
عباس الجراري:”إن الأدب الشعبي ليس هو الأدب الرخيص أو الوضيع المبتذل كما يظن،
ولكنه الأدب الذي يستوحى من الشعب في مختلف طباقاته، وبفيض روحه، ويعبر عن دوقه
ومشاعره ويصور عقليته ومستوى حياته ويميز شخصيته وثقافته.” وهكذا فالمأثور الشعبي
من بقايا الماضي وآثار الباقية لأنٍ جزء متلائم مع الحياة ويسير على مراحلها
المستمرة والثرات الشعبي هو قوام حياة أكثر الناس نشاطا في المجتمع الواحد.
وإيمانا منا بقيمة الثرات ومميزاته ووظائفه عملنا على الاهتمام بجانب منه هذا
الجانب دو الطابع المتميز الذي له دوره ومغزاه في البيئة التي نشأ بها، إنه عادات
وتقاليد العرس الزكيدي هذا الثرات الشعبي الذي هو اليوم في حاجة إلى من يلم أشلاءه
المتناثرة من شيوخ هذه المنطقة الذين نشيع جنائزهم في أوقات كثيرة دون أن نحس أننا
نودع ثقافة وتاريخا عريقا تحدث عنه كبار الكتاب والمفكرين. وهذا الموروث لا يجب أن
ينظر إليه على أنه يأتي عفويا أو بطريقة عفوية وغير منظمة وبشكل تلقائي، بل إنه
يعبر عن ذوق ومشاعر ، ويصور عقلية ومستوى حياة الذي أنتج فيه.
التحديد الجغرافي:
تقع واحة فم زكيد في السفح الجنوبي لسلسة الأطلس الصغير
المتميز بشدة وقساوة الظروف الطبيعية التي أثرت بشكل على الاستقرار البشري
بالمنطقة. ومن حيث التقسيم الاداري فهي تابعة لإقليم طاطا وتعد أهم دوائره ويحدها
من جهة الشمال وارزازات وشرقا قطر الجزائر وجنوبا طاطا. وقد أحدثت جماعة فم زكيت
بمرسوم 59-2-1830 الصادر في 2دجنبر 1959 وتحولت في إطار التقسيم الجديد إلى بلدية
قائمة بذاتها إلى جانب الدائرة التي تتكون من عدة قيادات: قيادة الوكوم- تيسينت-
فم زكيد المركز- أقايغان- ملحقة قيادة تليت.
لمحة تاريخية عن قبيلة “الكرازبة”:
القبائل اليحياوية قبائل ضاربة في التاريخ بجذورها العريقة الأصل
بالمغرب، وتنحدر من القبائل امعقلية التي دخلت إلى المغرب منذ أواسط المائة
الخامسة.
يقول عنهم ابن خلدون:” هذا القبيل من أوفر قبائل العرب ومواطنهم
بقفار المغرب الأقصى مجاورون لبني عامر من زيغية في مواطنهم بقبلة تلمسان، وينتمون
إلى البحر المحيط من جانب الغرب وهم ثلاثة بطون: دوي عبيد الله ودوي منصور”.
أنسابهم:
يقول عنهم ابن خلدون “فأما أنسابهم فخفية ومجهولة،ونسابة العرب من
هلال يعدونهم من بطون هلال وهو غير صحيح، وهم يزعمون أن نسبهم في أهل البيت إلى
جعفر ابن أبي طالب وليس بصحيح أيضا” ونحن نقول واستنادا إلى روايات تاريخية
الشفهية أنه يصعب تحديد لفظة “كرزابة” غير أن أغلب الأبحاث تأكد أنهم قوم عاشوا
حياة البداوة والترحال، لذلك فهم نازحون من صحراء موريطانيا، وهناك تجمع بشري حسب
الخريطة السكانية لموريطانيا يدعى “الترارزة” وحسب وثيقة سلالة هناك أحد الأجداد
يدعى “تروز” وفضلا عن هذا فالكرازبة ينسبون إلى جد يسمى يحيى “أولاد يحيى” وهم
ينقسمون إلى قطوف أهمها:
أولاد حسين، أولاد أحمد، الطرشان وهنا نأكد وجود (قصر ) لازال يحمل
اسم الطرشان بموريطانيا. وبالعودة إلى القصائد الزجلية التي مازالت متواثرة
بالرواية إلى اليوم نجدها تزخر بحمولة غنية جدا من المفردات والصور التعبيرية
العربية القحة. وهذا دليل على إنهم عرب نازحون تحمل أشعارهم ألفاظا عربية قحة
صافية إلا أن ما جاء به ابن خلدون ومعاصرون هو تاريخ لا نستطيع من خلاله ربط الصلة
بين القبائل الحالية وأصولها لأسباب:
·
·
أولها لأننا غير عالمين بالأنساب بشكل متصل.
·
·
ان القابئل اليحياوية كانت ومازال البعض منها يعيش حياة انتجاع
وترحال وتنقل مستمر يصعب معه ضبطرا في مكان محدد إضافة إلى ندرة المصادر التي
اهتمت بهذه المناطق والتأريخ لها. وما يهمنا هو أن قبيلة اولاد يحيى تنتشر في
اطارها الكبير بوادي درعة، وتمتد مجالات انتشارها إلى فم زكيد غربا باقليم طاطا
حيث تتواجد قبيلة الكرازبة التي تتمركز في أربع مواقع:
-
الخريويعة: وهي المعقل الأصلي والقطب السياسي لهم وتوجد شمال سلسلة جبال باني.
-
إيليغ وفم الواد: وهما دواران في المنطقة الشمالية الغربية للخريويعة.
- الحاسي الأصفر:
في الواجهة الجنوبية الشرقية .
- بوكير: جنوب
سلسلة جبل باني كل هذه الفروع كرزابية الأصل. وقد اعتمدنا عليها في دراستنا هذه
تمتاز تقاليد العرس العربي بالجمال والتنوع والاختلاف من منطقة إلى
أخرى إلا أن خصائصها يطبعها التشابه كما هو الحال بالنسبة لمنطقة فم زكيد والقبائل
المختلفة وقد اتخذنا قبيلة الكرازبة كنموذج للتعريف ببعض خصائص العرس بها.
عادات وتقاليد العريس ورمزيتها:
وبالحديث
عن عادات العريس فسوف ندرس أحد أبرز العادات التي تتكرر طيلة السبعة أيام نظرا
لكثرة العادات لذا هذه القبيلة.
بعد وليمة الغذاء وبالظبط وقت العصر يخرج الأهالي إلى الفسحة بضاحية
المنزل وفي جو احتفالي جذاب ويفرش حصير جديد كرمز لأول عود قش في بناء العش الزوجي
ويتحلق حوله الرجال، ويأتى بالعريس يتوسط شابان وهو مغطى بكساء أبيض ويتقدمهم أحد
الحاضرين في العزف على الناي وهذا لمشهد يعطي للعريس نسحة من الهيبة السلطانية ثم
يجلس على الحصير فتأتي أمه فتكون الأولى التي تقوم بتخضيب رجله اليمنى ويده اليمنى
بعصارة الحناء مثبلة بأطيب العطور الصحراوية وهذا رمز إلى الرضى والتبرك بالأم
التي خصها الاسلام بمكانة متميزة إلى حد ما عن الأب، كما أن الحناء في حد ذاتها
فال خير واستبشار لحياة زوجية سعيدة وبعد انصرافها يقوم الرجال بتخضيب رجليه ويديه
ووجهه بهذه العصارة المعتقة من الحناء ويلبسونه أشياءه الخاصة به طيلة أيام الزفاف
التي كانت تبلغ 15 يوما وقد تقل حسب الظروف وهذه الأشياء هي:
- سلهام أسود:
وهو رمز إلى التميز عن الأخرين حتى أن الزائر الغريب بمجرد ما يراه يعتقد جازما
أنه عريس كما أنه تأسي بهيئة السلاطين والوجهاء ومن هم في مراتبهم مما يجعله
يعامل بأسلوب فريد يأطره الإحترام حتى في الندا عليه بعبارة “مولاي السلطان” بديلا
عن إسمه الحقيقي.
- أزفل: وهو
مجموعة خيوط جلدية يلبسها في معصم يده اليمنى ويكون خاصا بضرب الشبان والشابات
كفأل خير لزواج قريب.
- السكين: وهو
سيف حقيقي مغمد في غمد جلدي ويرجع تاريخه إلى أزمنة سحيقة كأداة حربية كان يتوشحها
خيرة الفرسان في الاغارات العشائرية دفاعا عن الشرف وحرمة الأهل والقبيلة وهو بهذا
يعتبر رمزا صادقا على السلطانية والمسؤولية والاستعداد التام لحماية شريكة حبه.
ويمكن في الآن نفسه امدادا لصور الشهامة والنخوخة الموروثة عن الأسلاف.
- الوزير: وهو
أحد الفتيان الذي يرافق العريس كالظل ويتكلف بحمل الناي وينفذ جميع أغراض العريس
وهذا مشهد كذلك يعكس الخطوة التي يخص بها مولاي السلطان ناهيك عن تبرك الناس
بمروره من أعز بساتينهم وزيارة بيوتهم.
- الناي: هذه
الأداة الموسيقية التي يعد المهرة في العزف بها على رؤوس الأصابيع وذلك في وصلة
شجية رومانسية تجر الأحاسيس إلى عالم الغاب والرعاة وهناك من سترهفه نغمها إلى
حدود البكاء. وخلال انشغال الرجال بطلاء جسد العريس بمعتق الحناء الرياحين يرددون
الأهزوجة التالية التي تنطوي ايحاءاتها على معاني تتراوح بين البعد الديني والبعد
الاجتماعي والبعد الغزلي العفيف:
أبسم الله وبالله
سبكنا رسول الله
أخيي هلال هلال
خرص الذهب الشعال
أمد ليديك نحنوها
أمد ليدك للكبلة
تاخد زينة اللبة
في الشطرين الأول والثاني: هناك حضور الثابث العقائدي وطلب التوفيق
من الله مع مدح رسول الله.
في الشطرين الثالث والرابع: نجد فيها مدح العريس الذي تعطير عصارة
الحناء صفوة وردية طيبة لا يحاكيه في جمالها إلا الهلال قبيل الغروب حيث يكون جمال
شكله وصفرة لونه لوحة شاعرية فريدة.
في الشطر الخامس: هو عربون على أن الكل في خدمتك أيها العريس
وأنك تعيش الفترة الذهبية في حياتك.
في الشطرين السادس والسابع: بدءا فجلسته على الحصير تكون في وضعية
استقبال (الكعبة المشرفة)وهي ذات بعد ديني محض وبمباركة وتوفيق من الله ستكون
فارسة أحلامك (زينة اللبة) يعني ذات السالف والظفائر الطويلة وهو تشخيص لمحاسن
العروس في زي عدري عفيف. ويستمر العريس على هذه الحالة طيلة السبعة أيام كل يوم
يخضب بمعتق الحناء إلا أنه في هذه الأيام التي تقوم بعملية التخضيب هي أم العريس
أو شقيقته.
خاتمة:
إ ن الفنون الشعبية هي تلك الآثار والظواهر الإبداعية
التي أنتجها الإنسان في مجتمع ما لكل ما يصاحبه من رأي وقيم وآداب غالبا ما
يكشفها التفكير التعبير بكثير من العفوية والتلقائية.والفنون الشعبية وهكذا تعد
جزءا من التراث الشعبي.
فإن كان التراث الشعبي هو النافذة التي نطل من خلالها على
أصول ثقافتنا لنتعرف عليها وعلى ما طرأ عليها من تغيير وإلى مراحل تطورها
وما كان لها من تأثير وتأثر نتيجة الاحتكاك والتفاعل والاتصال بالثقافات الأخرى
لنتعرف أيضا على الخصائص التي تميزها عن غيرها فإن المأثور الشعبي لقبيلة
الكرازبة يعد خلاصة ما أبدعه الإنسان اليحياوي بمختلف شرائحه حيث أثبت وجوده
وقدرته على ممارسة العقل والروح ويتجلى المأثور الشعبي اليحياوي من خلال ما رأيناه
من عادات وتقاليد وما يصاحبها من أشعار و قيم و آداب.