استثمار التراث في النشاط السياحي: الموقع الأركيولوجي تمودة بتطوان نموذجا



محمد بدر البقالي الحاجي*
يزخر المغرب بتراث ثقافي غني ومتنوع. ويحتوي الجانب المادي من هذا التراث على أشكال متعددة تنم عن تاريخ عميق وعن تنوع جغرافي ساهم بشكل كبير في تأقلم المجموعات البشرية. لدا أصبح من الضروري التوجه إلى التخطيط المستدام الذي يهدف إلى تحقيق استدامة استخدام الموارد الطبيعية بالشكل الأنسب والتفكير في حق الأجيال القادمة من هذه الموارد المتدهورة والآخذة في النفاذ إذا لم يحسن استخدامها.
من هذا المنطلق لم تعد الحماية والحفاظ على الموارد الحضارية والثقافية أمراً كافياً، بل اتجه التفكير إلى تحقيق استدامة هذه الموارد على المدى البعيد والاستفادة منها من الناحية الاقتصادية كذلك، وذلك لأنها تشكل ثروة وطنية لجميع الأجيال الحالية واللاحقة، وهي ملك لهم جميعاً تقع عليهم مسؤولية حمايتها والحفاظ عليها.
وبما أن التراث الثقافي لمدينة تطوان قد أصبح تراثا إنسانيا عالميا فإن هذا قد سمح لها بالاستفادة من آفاق سياحية إضافية والحصول على الدعم والتمويل من المؤسسات والمنظمات الدولية المختصة لترميم وتأهيل بنياتها الثقافية• والحقيقة أن هذا الدور الذي يتطلع أن تلعبه مدينة تطوان هو امتداد للأدوار التي لعبتها المدينة خلال الحقب والفترات السابقة.
والكم الهائل من المكونات التراثية والتعابير الثقافية يمكن أن يشكل قاعدة لقيام نهضة سياحية بالحمامة البيضاء، نهضة تركز على احترام هذه القيم وتطوير هذه الإمكانيات وتوظيفها بشكل إيجابي في إطار مشروع ثقافي ـ سياحي متكامل ومندمج يهدف إلى حماية هذا التراث واستغلال الجوانب الإيجابية فيه وخلق منافع وقيم إضافية تفيد المدينة والساكنة.

هذا في حين، أصبحت السياحة الثقافية تشكل منتجا سياحيا رئيسيا في السياحة العالمية وعلى مستوى السياحة الوطنية، حيث أن هذا المنتج مازال يحتل مكانة محورية في الصناعة السياحية وينتظر أن يلعب نفس الأدوار في الآماد المقبلة.
حيث اهتمت الدول حديثا- بالنظر إلى أشكال التراث- بالحفاظ عليها والعمل على تأصيلها وتنقيحها والتنقيب على المزيد من المادي منها، لذا تم إنشاء العديد من الهيئات والمؤسسات الراعية للتراث. إجمالا يمكن الإشارة إلى أن اهتمام الحكومة والمؤسسات الفاعلة بالتراث، بات من أولويات اهتماماتها ليس فقط ترفا أو إسرافا لكونها متعلقة بمقتضيات ثقافية-هوياتية صرفة، بل لارتباطها بالسياحة وزيادة مواردها.
تأهيل و تهيئة الموضع الأثري تمودة: ساهمت جامعة عبد الملك السعدي، وتحديدا شعبة التاريخ في برنامج تهيئة الموقع الأثري تمودة الذي يندرج في إطار التعاون من اجل التنمية، وقد هدف هدا المشروع إلى تطوير البحث وعقلنة تدبير فضاء هذا الموقع وتأهيله كي يصبح مركز استقطاب سياحي ومشروعا مندمجا في التنمية المحلية والوطنية.
شارك في هذا المشروع مجموعة من أساتذة التاريخ القديم بكلية الآداب بتطوان بتعاون مع الوزارة الوصية وفاعلين جمعويين من المغرب واسبانيا، مهتمين بموضوع تدبير التراث التاريخي والثقافي والسياحي، حيث مول المشروع من طرف الحكومة الأندلسية.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن مشروع التهيئة داك، رغم محدودية نتائجه ومجالات تدخلاته، جاء بعد عقود طويلة من التهميش، الذي طال هذا الموضع الأثري الهام، حيث ظل يعارك تقلبات المناخ من جهة، وعبث العابثين وتخريب المخربين من جهة أخرى، هذا في ظل إهمال مشين وغير مبرر من طرف المسئولين لهذا التراث المادي الغني الذي تزخر به المنطقة.
*باحث في قضايا التراث المحلي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مواقع فترة ما قبل التاريخ بالمغرب

الاولياء والأضرحة بالمغرب

الدراسات الاستمزاغية في المغرب