الكتابة على الجدران بين سريالية المشهد و نوعية الظاهرة
تعد
الكتابة على الجدران ظاهرة اجتماعية حديثة انتشرت في معظم البلدان العربية
و بالأخص في بلادنا حيث أضحت معظم مدننا و أحيائنا الشعبية و شوارعنا
ارئيسية لوحة كاريكاتورية لمختلف أنواع و أشكال الكتابات و الرسومات
الحائطية، و يختلف الكثيرون حول سلبية و ايجابية الظاهرة ، فالكتابة على
الجدران تعبير عما يختلج في النفس حيث يرى " جابر مدون " أنها ظاهرة
سلبية تثير التقزز و الإشمئزاز لمنظر الجدران المليئة بالكتابات التي
غالبا ما تكون غير أخلاقية، و يسانده في ذلك " يوسف محامي " الذي يعتبر هو
الآخر أن الكتابة على الجدران ظاهرة سلبية عبارة عن مكبوتات نفسية، أما من
الناحية القانونية فيؤكد أنهه لا يعاقب عليها القانون إلا إذا كانت تمس
بالنظام العام أو العقيدة الدينية، و ما عدا ذلك فلا تتعدى أن تكون مخالفة
فقط.
أما
القاص والأديب " عيسى بن محمود " فيرى أنها طريقة تعبير لمن ضاقت بهم سبل
التعبير العادية، و لم تستوعب آرائهم اذ كثيرا ما تكون خارجة عن المألوف لا
سيما من حيث اللفظ المستخدم ، و هي ظاهرة بحاجة إلى دراسة عميقة.
في
حين نجد " شعيب طالب جامعي " يرى أن الظاهرة ايجابية لأن الشاب يعبر من
خلالها عن شعوره لعدم رضاه عن الواقع المعاش، و عدم وجود أماكن تلرفيهية ، و
عن سؤالنا حول معاقبة القانون لهذا الفعل فهو يرى أن هناك جرائم أكبر
يتستتر عليها القانون مقارنة بمجرد كتابة على حائط.
كما
يسانده الرأي " محمد تاجر " الذي يعتبر الظاهرة تعبير عن شعور نفسي خاصة
إذا كان الكلام المكتوب مقبولا دون المساس بشخصية الآخرين حتى أنه يعتبرها
مثل الكاريكاتور الذي نتصفحه كل يوم في جريدة ، فالشاب يعبر عن مشاكله
اليومية مثلا في هذه الأيام عن أزمة الحليب برسمه كيس حليب و طوابيرالناس
عليه.
كما
أنه يعتبر أنه لكل مقام مقال فالجامعة يكتب على حائطها الظواهر التي تحدث
بداخلها، و المؤسسة الإستشفائية عن سوء الخدمات المقدمة فيها ... الى غير
ذلك، كما أنها تخليد لذكريات على مكان مر به يوما ما فبمجرد العودة إلى ذلك
المكان ووجود تلك الكتابات شاهدة فهذا حسب رأيه دائما شيء يدعو للإرتياح و
الفرح، فالشاب يعبر عن مشاكله التي لم يجد لها حلا و التي لم ينصت أو يهتم
بها المسؤولون، فما الضرر حسب رأيه في كل هذا و في نفس الوقت يستاء من بعض الكتابات المشينة.
لقد
أثبتت بعض الدراسات أن معظم الكتابات الحائطية تصدر من شباب ضاقت بهم
السبل يعبرون كيفما شاءوا عن مشاكلهم اليومية : الحراقة، أزمة السكن،
البطالة ، الفشل في الحب... الخ ، و مؤخرا التغني بانتصارات الفريق الوطني و
تأهله لكأس العالم حيث أضحت معظم شوارعنا تسودها أعلام وطنية و كأس رمزية،
فهي ان كانت من الناحية النفسية عبارة عن مكبوتات يفرغها الشاب ، فانها من
الناحية الإجتماعية تتعدى ذلك كونها أصبحت ظاهرة تستوجب الدراسة و البحث
في أعملقها و معرفة أسبابها و طرق تفشيها ، حيث لا يختلف اثنان أن الشاب
الجزائري يعاني من عدة مشاكل اجتماعية لا يجد لها حلا و لا حتى صوتا
ليسمعها، فيلجأ الى هاته الكتابات كأضعف حل يستطيع فعله، فهو مثلا لا
يستطيع أن يناصر غزة و لو بخروجه الى الشارع فيعبر عن رأيه عن القضية
الفلسطينية بكتابات حائطية معبرة، و يعبر عن بطالته و استيائه مما وصل إليه
التعفن الإداري ، و بعبوره البحر إلأى الطرف الآخر " أعطونا الفيزا " "
حراقة " ... الخ ، اضافة إلى عدم وجود أماكن للترفيه و دور الشباب لكن هذا
لا يعطي الحق للشباب أن يعبروا عن نفسياتهم بطريقة لا أخلاقية من كتابات
حائطية مشينة تدعو للإستياء و المساس بشخصيات الآخرين ككتابة أسماء مرفوقة
بأرقام هواتف ، أو كلام بذيء غير أخلاقي .
و
لمعالجة هذه الظاهرة يجب اتحاد جميع القوى الفاعلة في المجتمع ابتداء من
السلطة الأعلى إلى الأسرة، المدرسة، الجمعيات ، مع الأخذ بعين الإعتبار أن
الشاب بحاجة إلى المساعدة مادام يلجأ إلأى مثل هذه التصرفات و أقترح بعض
النقاط:
- التوعية عبر وسائل الإعلام ، مع تخصيص مساحات اعلامية للشباب ( و التي تنعدم للأسف ببلادنا ).
- فتح فضاءات للإبداع في كل الأحياء دون استثناء ( تتوفر في المدن الكبرى و تغيب للأسف بالأحياء الشعبية ).
- دراسة الظاهرة دراسة موضوعية بالبحث عن الأسباب و الدوافع ( ستظل مجرد ظاهرة للأسف لغياب روح المسؤولية من مسؤولينا ).
- بناء
جدار في كل حي مخصص لهذا الغرض فالرسم على الجدران فن قائم بذاته "فن
الجداريات " فن قائم بذاته ، و هكذا يصبح للشاب فضاء رسمي للتعبير عن
انشغالاته اليومية التي لا يستطيع نقلها للمسؤولين بصفة رسمية.
- و مهما يكن من كون الظاهرة سلبية أو ايجابية فهي ظاهرة اجتماعية لها أسبابها و دوافعها ، و لا يمكن تغاضيها أو اهمالها.
تعليقات
إرسال تعليق