مدينة تامدولت أقا طاطا
أثار انتباهي، عندما كنت أراجع أسماء القبائل التي تعيش في منطقة إغرم، أن بعض هذه القبائل ك إداوكنسوس أصلها من أقا و بالضبط من تامدولت، لكن المعلومات عن هذه المدينة ـ لأن تامدولت كانت فعلا مدينة تتوفر على كل المقومات البشرية و الاقتصادية مثل باقي المدن في ذلك العهد حسب المؤرخين ـ قلت إن المعلومات نادرة جدا في هذا الموضوع
فعلا ، الروايات التي تتحدث عن المدن القديمة التي لم يعد لها وجود تشير أن تامدولت هي أشهر هذه المدن
مدينة تامدولت لتي أسسها عبد الله بن إدريس مؤسس الدولة الإدريسية في القرن الرابع الهجري بالقرب من بلدة أقا الحالية ازدهرت خلال الفترة المرابطية والموحدية والمرينية بعدما كانت تابعة لسجلماسة في الفترة الإدريسية.
وقد لعبت أدوارا متعددة في تاريخ هذه الحضارات ، ففي المجال العسكري كانت أسوارها وأبراجها بمثابة حصن ومركز مراقبة عسكري استراتيجي للطرق المؤدية من و إلى جنوب شرق المغرب.
و كانت في المجال الاقتصادي بمثابة محطة للربط التجاري بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء، فشكلت محطة مهمة في محور طرق القوافل المتوجهة أو الآتية من السودان. كما ازدهرت تامدولت ، واستفادت من وجودها في منطقة غنية بالرصاص والفضة فكانت ، بمثابة مركز لاستخراج المادة المعدنية الخام من المناجم المجاورة ثم تصنيعا وبيعها. ولعل العدد الهائل للبقايا المعدنية التي تغطي موقع المدينة لأكبر دليل على دور تامدولت الصناعي. كما تحولت تامدولت بفضل وفرة مياهها وخصوبة أراضيها -التي تحدث عنها مؤرخون عاصروا فترة ازدهارها كالبكري والوطواط- إلى بساتين وحقول جعلت منها مركزا فلاحيا هاما.
إن دراسة تاريخ العلاقات بين المغرب وبلاد الطوارق أو بلاد السودان- حسب الباحث محمد حنداين- تعتبر موضوعا قديما قدم هذا التاريخ بنفسه، لأن هذا التاريخ يعود إلى الفترة الاستعمارية وحتى إلى ما قبل ذلك بكثير. ومن أجل الإسهام في التراكم العلمي في هذا المجال وباعتماد مقاربة تاريخية شاملة ومكملة لباقي الدراسات المنجزة حول هذا الموضوع، اختار المؤلف دراسة تاريخ هذه العلاقات من خلال التوقف عند تاريخ مدينة تامدولت العريقة ومجمل الإشكاليات التاريخية والمعرفية التي يثيرها.
وقد تعددت الدوافع التي جعلت الباحث محمد حنداين يهتم بتناول تاريخ مدينة تامدولت دراسة وتحليلا، أولا لأن مدينة تامدولت شكلت ملتقى حضاريا بين ضفتي شمال إفريقيا: الضفة المتوسطية، الضفة الصحراوية. وثانيا، تامدولت وبموقعها الجغرافي والطبيعي المتميز وكنقطة التقاء بين هذين المجالين الجغرافيين، أمر مكنها من معايشة ومعاصرة أبرز و أهم الأحداث التاريخية الكبرى للمغرب من جهة، وبلاد الطوارق من جهة أخرى.
لكن في المستوى الواقعي والمعاش، يرى المؤلف أننا لازلنا بعيدين جدا عن معرفة التفاصيل الكاملة والحقيقية بشأن تاريخ هذه المدينة باعتبار أن الشهادات الشفوية تبقى في عمومها متناقضة إضافة إلى كون الأبحاث والاستكشافات الأركيولوجية المنجزة لازالت لغاية الآن ليست البتة كافية، أضف إلى ذلك تأطير التاريخ الحقيقي بالكثير من الحكايات الأسطورية المنتشرة بكثرة في منطقة تمدولت.
إن كتابة تاريخ تامدولت هي في واقع الحال مغامرة جلية لبحث تاريخي حول موضوع لازال إلا الآن خصبا لدى عموم الباحثين التاريخيين وذلك بسبب غياب الأرشيفات الكفيلة بوضع حد للعديد من الشكوك وحسم الكثير من الأشياء كذلك. ولكن، إذا كان غياب المعطيات التاريخية عائقا أمام كتابة تاريخ هذه المنطقة، فإنه كذلك عامل تحفيز لسبر أغوار التاريخ المجهول لهذا الموقع التاريخي المتميز.
هناك مجموعة من المحاولات التي تم القيام بها من قبل بعض باحثين حاولوا جاهدين نفض الغبار عن تاريخ هذا الموقع العريق. لكن لا يوجد كتاب في حد ذاته مخصص لمدينة تامدولت. وما أثار اهتمام هؤلاء الباحثين ليس تأسيس أو وجود هذا الموقع التاريخي ولكن اختفاءه.
تعليقات
إرسال تعليق